كان عالما له تلامذة وأتباع، يأتيه المئات والآلاف ليجلسوا بين يديه، ويستفيدوا من...

كان عالما له تلامذة وأتباع، يأتيه المئات والآلاف ليجلسوا بين يديه، ويستفيدوا من...

‫كان عالما له تلامذة وأتباع، يأتيه المئات والآلاف ليجلسوا بين يديه، ويستفيدوا من علمه، ويسألوه عما أشكل عليهم، أو التبس على أفهامهم.
إلى أن وقع الرجل في ذنب كبير، فانفض الناس من حوله وهجروه..
وأدار التلامذة ظهرهم للأستاذ، متندرين بوقوعه في ذنب كهذا، حانقين عليه.
وبينما الرجل في بيته إذ طرق بابه طارق، فلما طالعه وجده صبيا ممن كان يقصد مجلسه، وطلب منه أن يسمح له بالدخول والتعلم منه.
فسأله الرجل متعجبا: ولماذا لم ترحل مع من رحل؟
فأجابه الفتى قائلا: لأنني لم أتبعك على أنك نبي!!
هذا الصبي النبيه وضع يده على حكمة كبيرة، وهو أن ليس بيننا من عُصم من الخطأ والزلل، ولا يجب أن نطالب الآخر على أن يكون طاهرا نقيا كالملائكة..
البشر -كل البشر- ذوو أخطاء، فإذا ما حصرنا المرء في دائرة ضيقة، وحكمنا عليه من زاوية واحدة، وجعلناه سجين خطيئته نكون قد جحدناه وظلمناه ظلما بيّنا.
بل يجب أن نسامح، ونغفر، ونعفو، وننسى.. ونسأل الله لأصحاب الخطايا الغفران والتوبة.
وقف عيسى عليه السلام ذات يوم أمام حشد من الناس وقد التفوا حول امرأة قد ارتكبت ذنبا، كل واحد منهم بيده حجر يريد أن يرجمها به.
فنظر إليهم عليه السلام، وقال قولته الخالدة: من كان منكم بلا خطيئة فليلقها بحجر.
فنظر بعضهم لبعض، وانفض كل منهم إلى حاله..!
النبي كان واسع الصدر مع المخطئ، كثير الحلم على الجاهل، حنونا.. عطوفا.. لينا.
يضع دائرة حول السلوك الخاطئ، ويأبى أن تشمل هذه الدائرة الشخص بأكمله!
ومن ذلك أن رجلا من المسلمين، كان دائما ما يؤتى به وقد ارتكب ذنبا كبيرا، وهو شرب الخمر، فكان النبي يعاقبه، إلا أنه ذات مرة سمع أحدهم يتندر على خطيئة الرجل، ويسخر من ذنبه المتكرر، ويدعو الله عليه قائلا: اللهم العنه.. ما أكثر ما يؤتى به إلى رسول الله ، هنا وقف النبي للرجل، ورد عليه ردا حاسما، فقال: دعوه، فإنه يحب الله ورسوله.
هكذا يرى العظماء حقيقة الأمور..
الكل يُخطئ.. ويقع منه ما يشين..
والظلم.. كل الظلم، أن يكون هذا مدعاة لأن نطرد المخطئ من بيننا، وننفيه إلى أرض الإثم، ونرفض أن نقبله وسطنا، ونباعد بينه وبين أرض التوبة.
من البشر أناس وثيقو الصلة بالله، لديهم من السماحة والحنو ما يجعل وجودهم في الحياة أمرا جميلا، لا يرفضون أحدا لذلته أو خطئه، بل يقفون بجانب الواحد منهم إلى أن يمر من عنق الزجاجة، ويعبر المرحلة الصعبة، ويعود إلى جادة الطريق المستقيم.
لسنا بالملائكة يا أصدقائي.. لسنا بأنبياء..
إننا بشر.. وليس بين البشر من امتلك العصمة..
#كريم_الشاذلي
من كتاب "مالم يخبرني به أبي عن الحياة"‬
Previous Post
Next Post

post written by:

0 Comments: